مقالات

كله بيلعب

كنت عائدًا من عملي في حوالي الثامنة مساءً، وأسير بين الناس في الحي الشعبي الذي أسكن فيه، مترقبًا جميع من حولي في صمت تام.

رأيت هذا الرجل الذي يجاهد بكل ما يملك من وسائل لإقناع “الزبون” بشراء المنتج الذي يبيعه، وتلك التي “تفاصل” بكل ما تملك من ذكاء لتشتري السلعة بأقل سعر ممكن. 

وتقف بينهم بائعة ذرة تجلس على أرضية الشارع تنظر إليهما بكل حسرة منتظرة أن يخرج المال من جيب الفتاة لتحاول هي الأخرى إقناعها بأن “كوز الذرة” الذي تبيعه واحد من أشهى أنواع الذرة في العالم.

أنظر إليهما بكل هدوء وبداخلي أفكار كثيرة عن مستقبلي الذي لا أعلم عنه شيء، وعن موقعي من هذا المشهد الذي يتكرر أمامي كل يوم بمختلف طبقات المجتمع، وعن حاضري الذي أعيشه اليوم، والذي سيصبح غدًا ماضي. 

وبينما أنا هائم في أفكاري التي تراودني بين الحين والآخر – كلما انفردت بنفسي -، غير مهتم للزحام والضجيج، إذ قطع حبل أفكاري مناديًا ينادي بعلو صوته بجوار أذني “كله بيلعب”.

فخرجت من الهالة التي كنت فيها، محاولًا فهم ماذا يحدث حولي قبل التلفظ بألفاظ دونية. 

فرأيت فتاة في غاية الجمال، ترتدي ملابس تبدو ملفتة قليلًا للنظر، والشارع كله مرتكز بعينه عليها بما فيهم ذلك المنادي، ففهمت مقصده من الكلمة.

ولم تمض لحظات حتى بدأ المارة يتفاعلون معه بأنماط مختلفة، بين رجل ينظر إليه وهو يبتسم، ومسن يهز رأسه بالموافقة، وامرأتان يتبادلا النظرات بابتسامة واسعة، وكأن ما قاله هذا المنادي شيئًا لطيفًا.

وضعت نفسي لدقائق مكان الفتاة، وتخيلت كمية الخوف والرهبة وقلة الثقة التي تشعر بها، ناهيك عن انعدام ثقافة النصح والأخلاق والدين.

فبدلًا من محاولة تصحيح الأمر أصبح هناك تفاعل معه، ولم يقم شخصًا واحدًا بغض بصره عن المنكر الذي يراه. 

بل لم يعترض أي شخص على التصرف الأحمق الذي برز من شخص لم يتربى في مجتمعنا المصري الأصيل.

وسواء كان الخطأ واقعًا على الفتاة بسبب نزولها من بيتها في منطقة شعبية بتلك الملابس أو بسبب جمالها الملفت. 

فالسؤال هنا، متى أصبح مجتمعنا بهذا القبح؟، وأين ذهبت النخوة والعفة والخجل؟، وكيف أصبحنا نتعامل مع الخطأ وكأنه شيء شائع؟!

لم اجد في الشارع الذي أمشي فيه اجوبة لاسئلتي، حتى ان “توكتوك” كاد ان يصدمني وهو يحاول التملص من زحام السيارات قائلًا قبيل ضغطه على الفرامل “مش تحاسب يا أخ”.

بالفعل.. انا من يجب أن “يحاسِب” خوفًا على حياتي، ولكن من سيحاسَب على سوء التربية، والجهل، والسعي وراء الثروة والنفوذ حتى ولو كانت بأي طريقة ممكنة؟

Visits: 7

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مساحة إعلانية

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

بنعتذر عن المضايقة، لكنك بتستخدم إضافة adblock اللي بتمنعك من تصفح الموقع في الوقت الحالي، برجاء اغلاقها واعادة المحاولة