الفصل الأول: لـيـلـة بـتـسـعـة أشـهـر
القاهرة، ٦ أكتوبر، كومباوند النسايم
الوقت الحاضر
استيقظ الدكتور أحمد من نومه فوجد زوجته تتحرك في أرجاء الغرفة ذهاباً وإياباً من أمامه ويبدو عليها علامات القلق، تتطلع إليه بين الحين والأخر وهي تقضم أظافرها التي اعتادت أن تطيلهم لسنين طويله، شكلها يوحي بأنها منتظرة أن يستيقظ لتصالحه أو لتقرر قرار مصيري لن يعجبه، أو هكذا إعتقد..
نظر إليها باستغراب متسائلاً “صباح الخير يا رانيا، مالك عمالة تلفي في الاوضه زي النحلة كده ليه؟”.
تسمرت في مكانها كأنها لم تسمع هذا الصوت منذ فترة طويلة، هرولت إليه مسرعة وإحضنته بين ذراعيها وقالت “أحمد، انتَ فوقت، الحمد والشكر ليك يارب”.
ازدادت دهشته فيما تفعله وقال لها “إيه فوقت دي كمان، هو أنا كنت في غيبوبة ولا إيه؟”.
نظرت إليه والدموع تزرف من عينيها، ونظرة التعجب تملأ وجهها “أحمد انتَ اختفيت ٩ شهور، ومحدش كان يعرف عنك حاجة فيهم”.
رد عليها باستنكار “اختفيت إزاي يعنى، منا قدامك أهو مروحتش في حتة من إمبارح”.
” أنا لقيتك امبارح مغمى عليك على باب البيت بالليل.. جبتلك دكتور وقالي إن انتَ نايم نتيجة مخدر قوي وكلها ساعات وها تصحى من النوم”.
“إنتى بتقولي إيه؟!، هو أنا مش امبارح اتخانقت معاكي واحنا بنتعشي بسبب الكلام اللي قالته مامتك على أهلي؟”.
“الكلام ده كان من تسع شهور وماما تعيش انتَ.. اتوفت بعد الكلام ده ما حصل بينا بحوالي شهر، لدرجة إني شكيت إنك اختفيت بسبب الموضوع ده، وعشان كده مرضيتش تيجي العزا”
بدأ التوتر يظهر على حركته، وانساب العرق على وجهه، وأمسك برأسه بين كفيه “لا طبعا، مش أسلوبي.. انا اخر حاجة فاكرها إني اتخانقت معاكي امبارح ودخلت نمت، وقمت إنهارده لقيتك واقفه قدامي عماله تقرقضى في ضوافرك، لدرجة إني شكيت إنك هتقوليلى طلقني”.
“يعني إنتَ عايز تقنعني إنك مش فاكر أي حاجة من اللي حصلتلك خلال التسع شهور اللي فاتوا؟!، طب إزاي؟، اقِنعني إن واحد عدى عليه تسع شهور من حياته مش فاكر فيهم أي حاجة حصلت له”.
قام من مجلسه واتجه الى شرفة الغرفة وهو يقول “أقنعك إزاي وأنا أصلا مش مقتنع؟”.
استغرق دكتور احمد الكثير من الوقت أمام شرفة منزله يحاول ان يفهم او ان يتذكر ماذا حدث له، وكانت زوجته تقف خلفه محتضناه بين ذراعيها ومسنده بدماغها على كتفه كمن تلهفها الشوق لرجل اصيل غاب عنها لفترة طويلة.
لم ينتابه الشك ولو للحظة في أن زوجته قد تكون كاذبة وهو ما يفسر قوة العلاقة التي كانت بينهم.
بعد اقل من ساعة قرر الدكتور احمد الخروج من المنزل ليفهم ماذا حدث، فاتجه لغرفة ملابسه وبدا في ارتداء ملابسه التي لم يشعر أنها قد مر عليها الدهر في ذهنه، ولكن على جسمه فإنها لم تكن نفس المقاسات، كانت أصغر بقليل مما هو عليه، يبدو أن السمانة قد ظهرت عليه قليلا، فالملابس التي كانت تدخل فيه البارحة لا يستطيع أن يلبسها اليوم.
استعطفته زوجته ليجلس معها قليلا وقالت “احمد انت بقالك 9 شهور غايب عنى مستكتر عليا ساعة تقعدها معايا، وبعدين انت رايح فين دلوقتى؟”
“رايح العيادة، محتاج اشوف ايه اخر حاجه حصلت قبل ما يحصل الى حصل”
“احمد انا قفلت العيادة بعد ما انت اختفيت بحوالي شهرين، مفيش عيادة بتشتغل من غير دكتور”
“اكيد طبعا انا فاهم، بس انا مش هفتكر حاجه طول ما انا قاعد هنا”
“طب مش عايزني اجي معاك؟”
“لا خليكي انتي مرتاحة، انا ساعة بالكثير ان شاء الله وراجع”
“طب خلى بالك من نفسك، لا إله الا الله”
“محمدا رسول الله”
*************
بينما كان الدكتور أحمد يقود سيارته، نظر في هاتفه المحمول فتذكر مكالمة كان يكلم فيها سكرتيرته الخاصة بشده وحزم، وكان شديد الانفعال وهو يقول لها “غادة اسمعي الى بقولك عليه، لمي كل الورق اللي عندك في العيادة واخفيهم بمعرفتك بأي شكل من الأشكال، وخدي معاهم كمان الورق اللي في الخزنة، احتمال التليفون يكون متراقب فمش هعرف اقولك على الباسورد، بس هو كان رقم اتكلمنا عليه انا وإنتى قبل كده بخصوص اليانصيب، وقولتلك ان انا بعتبر الرقم ده رقم حظي، يارب تكوني فاكره الرقم يا غادة.. سلام”
اغلق هاتفه حينها واستقبل رسالة فحواها “هو انت فاكر إنك هتعرف تهرب مني، هجيبك يعنى هجيبك”
وضع التليفون على تابلو السيارة ليتفاجأ بأنه امام جذع شجرة ملقى على الأرض، فحاول أن يتفاداه ولكنه لم يفلح في ذلك فانقلبت به السيارة وفقد الوعي
**********
الحادث الذي ورد في ذهنه جعله ينتبه للطريق حتى وصل للعيادة، دخلها في هدوء تام، لم يتغير فيها شيء عدا أن خزينة باب غرفته الخاصة كان مفتوحا دون أي خدش او كسر، فعلم أن غادة قد توصلت لرقم الخزينة وأخفت الأوراق.
هو لا يعلم ما المهم بتلك الأوراق لتكون حياته على المحك بسببها، ولكن عليه أن يتوصل لتلك الاوراق ليتذكر لماذا كانت تلك الاوراق مهمه، وهو ما يتطلب محادثه غادة، والتي لن يستطيع الوصول إليها بالتليفون لتذكره ان التليفونات كانت مراقبة.
خرج من العيادة وهو يفكر كيف سيتوصل الى غادة، وبمجرد خروجه منها لاحظ على الحافة الأخرى للشارع رجل يبدو شكله مألوفا بالنسبة له يراقبه، فلما كشف امره هرول الرجل مسرعا نحو سيارة سوداء وركبها وانطلق.
لم يستطيع الدكتور احمد اللحاق به ولكنه استطاع أن يستخدم ذاكرته التصويرية في تذكر رقم لوحه السيارة ن ط ب 395 سياحة.
مساحة إعلانية